الإبداع المعاني السامية "ابراهيم كشت

**Admin** الجمعة يوليو 20, 2012 3:12 am

السلام عليكم
سنناقش الإبداع
إن الإبداعَ عبرَ تاريخِ البشريةِ ظلَّ أساسَ كلِّ تطورٍ وتقدمٍ وتنميةٍ وتغييرٍ ايجابيِّ في حياةِ الناسِ وأساسَ حلَّ مُشكلاتِهم في التكيفِ وفي تحدي قيودِ الزمانِ والمكان ومعالجةِ نُدرةِ المواردِ وتحدي ظروفِ الطبيعة فالإبداعُ انتاجٌ ماديٌّ معنويٌّ يتسمُ بأنهُ جديدٌ وغيرُ مسبوقٍ وذا قيمةٍ ومعنى .
الإبداعُ نمطُ تفكيرٍ... استعدادٌ نفسي... وقيمة... نقولُ إنهُ نمط تفكير لأنَّ التفكيرَ الذي يعتمدُ على الأفكارِ المعلبة لا يمكنهُ أن ينتجَ جديد ونقولُ أنه استعدادٌ نفسي لأنه يستلزمُ الاحساسَ بالمجموع فالإبداعُ ينمو بعمقِ الانتماءِ ورفضِ الواقعِ الخاطئِ والسعي إلى الأفضل وأما القولُ أنهُ قيمة لأنهُ إن غابت قيمة الإبداعِ تحلُّ محلها قيمة الجمودِ والتقليد ففي غيابِ قيمةِ الإبداع يغدو تقليدُ الآخرِ في ظاهرِ سلوكهِ وقشورِ حضارتهِ أمراً محبباً ومعززاً يستحقُ المكافأة.
جوانبُ كثيرةٌ في حياتنا إذا لاحظتها سرعانَ ما تخرجُ بحقيقةٍ تقولُ إنِّ غيابَ الإبداعِ سمة من سماتِ مجتمعنا ولستُ أتحدثُ عن غيابِ الاختراعات العلمية رغم أهميتها فغيابُها حقيقة ظاهرةٌ للعيان فكل ما بين أيدينا من أجهزةٍ ليست فيها قطعة ولا فكرةٌ من انتاجنا وهذا ليسَ الدليلَ الوحيدَ على غيابِ الإبداع فغيابهُ واضحٌ في جميعِ المجالاتِ العلميةِ والأدبيةِ وحتى في العاداتِ والاعمالِ الصغيرة.
وخذوا مثالاً تلك الخطابات التي نلقيها في المناسبات وستجدونها دائماً تبدأ بنفس اللوازم اللفظية ( يسعدني أن....) وفي المناسبات الرسمية ( نحتفل اليوم...) أما عباراتنا المستخدمة في المناسبات الاجتماعية في الترح والفرح فهي دائما ذاتها نحفظها ونكررها وإعلانات التهنئة والمواساة تحمل باستمرار ذات الشكل والمضمون ثم لاحظ كيف أن معظم الكتابات في العلوم الانسانية مترجمة كأنما ليس في وسعنا أن نأتي بجديد وليس بمقدورنا أن نتحرك إلا ضمن نفس القواعد الجامدة بتكرار الجمل المستهلكة وبالنقل عن الآخرين دون أي إضافة جديدة أو إنتاج أصيل أو إبداع مفيد.
إن للإبداع سراً لم يبلغ غوره العلماء بعد فموضوعه عميق شائك ولكن يمكن القول إن للمبدعين سمات وخصائص في منهج تفكيرهم قد يفيدنا الوقوف عليها إن المبدع لا يقر بالمألوف ولا يقبل بما يسميه الناس مُسَلَّمَات كما أنه ينزع إلى الأفضل وله قدرة على الاحساس بالمشكلات وتصور اسبابها ولديه دافع ذاتي للبحث عن العلاج الجديد ويغلب أن يعيش المبدع حالة (نحن) ويتجاوز حالة (أنا) ولولا ذلك الاحساس بما وبمن حوله لما أبدع و يسعى إلى بلوغ التوازن عن طريق الإبداع .
إن للمبدع قدرة على تحليل الوقائع إلى عواملها وتفكيكها إنه قادر على إيجاد توليف جديد لمعطيات قديمة أما بالنسبة لخياله فهو خصب يعبر به مما هو كائن إلى ما ينبغي أن يكون وهو في العادة يبادر ويستبق ولا يقتنع بمجرد تنفيذ الأوامر ولا يكتفي بردود الأفعال.
لعل ما يقوي قدرة المرء على الابداع شدة اقباله على القراءة فإن القراءة تنير التجاويف المظلمة في الدماغ وتنفض الغبار عن خلاياه المعفَّرة وتخرج العقل من قُمقُمِهِ وتقنعه دائماً بأن في الحياة أناساً آخرين وأفكار ومبادئ أخرى وتُفتِّح له آفاقاً جديدة للتفكير والابتكار.